سورة النجم - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النجم)


        


{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)}.
{وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} قال ابن عباس في رواية الوالبي والعوفي: يعني الثريا إذا سقطت وغابت، وهُويُّه مَغِيبه والعرب تسمي الثريا نجمًا.
وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «ما طلع النجم قط وفي الأرض من العاهة شيء إلا رُفع» وأراد بالنجم الثريا.
وقال مجاهد: هي نجوم السماء كلها حين تغرب لفظه واحد ومعناه الجمع، سمي الكوكب نجما لطلوعه، وكل طالع نجم، يقال: نَجَمَ السِّنُّ والقرنُ والنبتُ: إذا طلع.
وروى عكرمة عن ابن عباس: أنه الرجوم من النجوم يعني ما تُرمى به الشياطين عند استراقهم السمع.
وقال أبو حمزة الثمالي: هي النجوم إذا انتثرت يوم القيامة. وقيل: المراد بالنجم القرآن سمي نجمًا لأنه نزل نجومًا متفرقة في عشرين سنة، وسمي التفريق: تنجيمًا، والمفرَّق: مُنَجَّمًا، هذا قول ابن عباس في رواية عطاء، وهو قول الكلبي.
الهُوِّيُّ: النزول من أعلى إلى أسفل. وقال الأخفش: {النجم} هو النبت الذي لا ساق له، ومنه قوله عز وجل: {والنجم والشجر يسجدان} [الرحمن- 6]، وهُويُّه سقوطه على الأرض. وقال جعفر الصادق: يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم إذ نزل من السماء ليلة المعراج، والهوي: النزول، يقال: هوى يهوي هويًا إذا نزل مثل مضى يمضي مضيًا.


وجواب القسم: قوله: {مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم ما ضل عن طريق الهدى {وَمَا غَوَى.} {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} أي: بالهوى يريد لا يتكلم بالباطل، وذلك أنهم قالوا: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم يقول القرآن من تلقاء نفسه.
{إِنْ هُوَ} ما نطقه في الدين، وقيل: القرآن {إِلا وَحْيٌ يُوحَى} أي: وحي من الله يوحى إليه.
{عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} جبريل، والقوى جمع القوة.
{ذُو مِرَّةٍ} قوة وشدة في خلقه يعني جبريل. قال ابن عباس: ذو مرة يعني: ذو منظر حسن. وقال مقاتل: ذو خلق طويل حسن. {فَاسْتَوَى} يعني: جبريل.
{وَهُو} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم، وأكثر كلام العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا أن يظهروا كناية المعطوف عليه، فيقولون استوى هو وفلان، وقلما يقولون: استوى وفلان نظير هذا قوله: {أئذا كنا ترابا وآباؤنا} [النمل- 67] عطف الآباء على المكنى في {كنَّا} من غير إظهار نحن، ومعنى الآية: استوى جبريل ومحمد عليهما السلام ليلة المعراج {بِالأفُقِ الأعْلَى} وهو أقصى الدنيا عند مطلع الشمس، وقيل: {فاستوى} يعني جبريل، وهو كناية عن جبريل أيضا أي: قام في صورته التي خلقه الله، وهو بالأفق الأعلى، وذلك أن جبريل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين كما كان يأتي النبيين، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه على الصورة التي جبل عليها فأراه نفسه مرتين: مرة في الأرض ومرة في السماء، فأما في الأرض ففي الأفق الأعلى، والمراد بالأعلى جانب المشرق، وذلك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان بحراء فطلع له جبريل من المشرق فسد الأفق إلى المغرب، فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم مغشيًا عليه، فنزل جبريل في صورة الآدميين فضمه إلى نفسه، وجعل يمسح الغبار عن وجهه، وهو قوله: {ثم دنا فتدلى} وأما في السماء فعند سدرة المنتهى، ولم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة إلا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.


قوله عز وجل: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} اختلفوا في معناه:
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبدالله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة، حدثنا زكريا بن أبي زائدة عن ابن الأشوع عن الشعبي عن مسروق قال: قلت لعائشة فأين قوله: {ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى}؟ قالت: «ذلك جبريل كان يأتيه في صورة الرجل، وإنه أتاه هذه المرة في صورته التي هي صورته، فسدَّ الأفق».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا طلق بن غنام، حدثنا زائدة عن الشيباني قال: سألت زِرًّا عن قوله: {فكان قاب قوسين أو أدنى}، قال: أخبرنا عبد الله- يعني ابن مسعود- أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.
فمعنى الآية: ثم دنا جبريل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض {فتدلى} فنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فكان منه {قاب قوسين أو أدنى}، بل أدنى، وبه قال ابن عباس والحسن وقتادة، قيل: في الكلام تقديم وتأخير تقديره: ثم تدلى فدنا؛ لأن التدلي سبب الدنو.
وقال آخرون: ثم دنا الربُّ عز وجل من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلى، فقرب منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى. وروينا في قصة المعراج عن شريك بن عبدالله عن أنس: ودنا الجبار ربُّ العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى. وهذا رواية ابن سلمة عن ابن عباس، والتدلي هو النزول إلى الشيء حتى يقرب منه. وقال مجاهد: دنا جبريل من ربه.
وقال الضحاك: دنا محمد صلى الله عليه وسلم من ربه فتدلى فأهوى للسجود، فكان منه قاب قوسين أو أدنى.
ومعنى قوله: {قاب قوسين} أي قدر قوسين، والقاب والقيب والقاد والقيد: عبارة عن المقدار، والقوس: ما يرمى به في قول الضحاك ومجاهد وعكرمة وعطاء عن ابن عباس، فأخبر أنه كان بين جبريل وبين محمد عليهما السلام مقدار قوسين، قال مجاهد: معناه حيث الوَتَر من القوس، وهذا إشارة إلى تأكيد القرب. وأصله: أن الحليفين من العرب كانا إذا أرادا عقد الصفاء والعهد خرجا بقوسيهما فألصقا بينهما، يريدان بذلك أنهما متظاهران يحامي كل واحد منهما عن صاحبه.
وقال عبد الله بن مسعود: {قاب قوسين} أي: قدر ذراعين، وهو قول سعيد بن جبير وشقيق بن سلمة، والقوس: الذراع يقاس بها كل شيء، {أو أدنى}: بل أقرب.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7